كان من المفترض أن أكون صديقه المفضل.
لقد التقيت به صدفة في موقف شاعري عميق
لم يكن حينها يتراءى لي على هيئته الحقيقية وبدى لي آن ذاك على جوهره، ولم يبدُ لي على بنائه وصورته الحقيقية.
كان كالطيف يُرى ولا يُرى، مجرّد شعور وخواطر مرهفة
يمكنني أن الامسها وتلامسني.
لقد كان جميلا سلسا للغاية وكان هذا هو انطباعي الأول عنه.
كان يقابلني بين الحين والآخر وكان دائما ما يعطيني دلواً صغيرا ننزله معاً لأدنى قاع في ذاتي.
لم يكن ثمة ما يمكن جذبه إلا القليل الذي لا يصفو كدره.
لقد دام لي زمنا على تلك الهيئة حتى ضجّت ينابيعي وتفجّرت أنهاري ولم يعد ذلك الدلو قادرا على جذب ما يتوجب جذبه.
كنت كل يوم أحاول أن أجد طريقة ما حتى أجعل كل شيء في مكانه، لكن تلك الينابيع المتفجرة لم تعد بحاجة إلى ذلك الدلو الصغير فقد بدى وكأن كل شيء يخرج عن السيطرة.
لم يكن صديقي بجواري طيلة تلك الفترة
كنت لوحدي حتى أصابني الإعياء وخشيت أن تهلك كل تلك الحقول من فيضان الماء وسرعة جريانه.
وفي صباحِ يوم ما، قدم علي زائر لست منه ببعيد!
لست متأكدا ما إذا كان هو أم غيره
لقد كان مُقَنّعاً وأكثر جديةً حتى اقترب مني وناداني "شـهــم"!
لم يكن صوتا عاديا ..
كانت نبرةً أبويّةً وبصوت تملئه الحكمة والهدء الذي تسكنه العاصفة!
نعم لقد كان اسمي الذي اسمعه، كما لو أنّي أسمعه لأول مرّة.
رفع راسه والقى قناعهُ فإذا به ذلك الغائب الذي أرهقني غيابه.
نعم هوَ هو، لكنه ليس هوَ!
تغيرت ملامحه وبدا كما لو أن أحدهم أعاد بناءه من جديد
لم تطق عيناي وقلبي المرتجف امعان النظر إليه ولا حتى مسارقته .. لقد كان مهيباً حقاً!
سار أمامي برويّة فوجدت نفسي أمشي خلفه بصمتٍ حتى أوقفني على حافّة ذاتي
وعندها ثنى ركبتيه وقعد.
تناول بكفه حفنة من الماء المتفجر بداخلي فشرب واستطعمِ،
ثم قال "الآن نعم"!
قام من توّه أمامي واخذ ينشئ طرق الماء واحواضه ومساربه حتى لا يجاوز شيئا مداه وحده ولا يطغى بمدّه، وأحكم كل شيء مكانه
ثم أقبل إليّ اقبالاً توقّف لأجله الزمن، حتى احتضنني وغاب بداخلي منساباً كنسمة غيثٍ منسومٍ من سَحَرِ الربيع.




